الزمّارة (تابگا/تابجا) – آلة النفخ الشعبية الليبية

التصنيفات: التراث الموسيقي التقليدي جبل نفوسة / الفنون الشعبية / آلات النفخ القديمة / الموسيقى الليبية القديمة

التعريف:

الزمّارة، وتُعرف محليًّا في الأمازيغية بـ تابگا أو تابجا، هي آلة نفخ بدائية تُعدّ من أقدم الآلات الموسيقية المعروفة في ليبيا وشمال إفريقيا. استخدمها الأمازيغ منذ قرون طويلة، وتُصنّف ضمن فئة الآلات الهوائية مزدوجة القصبة، وما زالت إلى اليوم حاضرة في الأعراس، المواسم، والرقصات الفولكلورية، لاسيما في جبل نفوسة والمناطق الريفية في الغرب الليبي.

الأصول التاريخية:

تشير الأدلة الأثرية والمصادر الكلاسيكية إلى أن آلة الناي أو الزمّارة الليبية من أقدم الآلات الموسيقية في العالم:

• في عام 1955، تمّ اكتشاف مزمار عظمي بدائي في كهوف هوا فطيح الواقعة في الجبل الأخضر شرق ليبيا، ويعود تاريخه إلى ما يقرب من 100 ألف سنة.
  هذا الاكتشاف يُعد حتى اليوم أقدم ناي معروف في شمال شرق إفريقيا، وقد وثّقه الباحث ماكبرني في دراسته الرائدة:

“هوا فطيح (برقة) والعصر الحجري في جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط”.

شهادات تاريخية:

ذكرت مصادر يونانية ورومانية أن ليبيا القديمة كانت أرضًا خصبة للموسيقى والآلات الهوائية:

• يقول إيثناوس في كتابه مائدة الفلاسفة إن:

  “الناي المصنوع من قصب الغاب في ليبيا كان يسمى الناي الليبي، وقد نُسب اختراع هذا الفن إلى الليبي سيرتس.”

• كما تظهر الأساطير اليونانية القديمة أن الإلهة أثينا ابتكرت الناي، لكن الباحثة باراسكيفاس ماريوس تورتونيس في ورقتها “فن الناي – 2020″، أوضحت أن هذه الأسطورة:

“لا تُفهم إلا في سياق الصراع الثقافي بين ليبيا واليونان القديمتين، حيث إن القيروان (كيريني) كانت الموطن الأصلي لاكتشاف الناي، ولم تكن أثينا إلا صورة ثقافية لاحقة.”

وتضيف:

“المشهد الفني الإغريقي استلهم الناي من الأرض الليبية، كما ظهر في النقوش والنحت الكلاسيكي”.

التكوين والآلية:

تتألف الزمّارة من:

1. قصبة أساسية: تحتوي على ثقوب (عادة 5) تُفتح وتُغلق بالأصابع لتغيير النغمة.

2. البالوص: قصبة دقيقة تحتوي على ريشة مزدوجة تهتز عند النفخ لتُنتج الصوت.

3. في بعض الأنواع: تُضاف قرون حيوانية لتضخيم الصوت، فتُعرف الآلة بـ المقرونة.

 الأنواع المنتشرة في ليبيا:

تقنية العزف:

يستخدم العازف تقنية التنفس الدائري للحفاظ على استمرارية الصوت، وهي مهارة تتطلب تدريبًا متواصلاً، حيث يقوم بتخزين الهواء في الفم والنفخ من الخدين أثناء الشهيق من الأنف.

يمكن للعازف المتمرس أن يعزف دون انقطاع لأكثر من ساعة.

الخصائص الصوتية:

• السلم الموسيقي قريب من بقية أفريقيا الشمالية ذات الأرباع الصوتية.

• عدد النغمات محدود (6 نغمات) بسبب عدد الثقوب.

• تصدر الزمّارة صوتًا قويًا، له طابع مميز يناسب الرقصات والنداءات الريفية.

الصناعة اليدوية:

لا تزال الزمّارة تُصنَع حتى اليوم من مواد طبيعية:

• القصب من ضفاف الأودية،

• القرون من الحيوانات،

• والخيط الطبيعي أو الجلد لربط القطع.

ويصنعها الحرفيون بأساليب بدائية توارثوها عبر الأجيال.

مراجع علمية:

• ماكبرني، “هوا فطيح (برقة)…”، مجلة ما قبل التاريخ، 1956.

• إيثناوس، مائدة الفلاسفة.

• هيرودوت، التواريخ، المجلد الرابع.

• Paraskevas Marios Tourtonis: The Art of the Aulos – 2020.

• تراث الشعب، العدد الأول، 1990م.