رايس صالح غرامة – عملاق الزكرة الأمازيغية في جبل نفوسة
الاسم الكامل: صالح حبيل أحمد غرامة
الشهرة: باب صالح / الرايس صالح
تاريخ الميلاد: 1929
مكان الميلاد: منطقة تيركين، فساطو (جادو)، جبل نفوسة
المجال الفني: عازف الزكرة الأمازيغية
الوفاة: 2024
وُلد الرايس صالح غرامة في عام 1929 في قرية تيركين بجبل نفوسة، وهي منطقة معروفة بتاريخها الأمازيغي العريق. نشأ صالح في بيئة ريفية، وسط عائلة اشتهرت بالعزف والغناء الشعبي، وكان للفن الأمازيغي التقليدي تأثير كبير على نشأته وتكوينه الفني.
الطفولة والتكوين
منذ صغره، اعتاد صالح أن يسمع ألحان الزكرة والطبل في المناسبات والأفراح التي كانت عائلته تشرف على إحيائها. عمه مسعود غرامة ووالده كانا فنانين موهوبين، حيث عزفا على الزكرة في العديد من المناسبات المحلية. وقد تشرب صالح الفن من عائلته، حيث كان يشاهد عمه ووالده وهما يعزفان ويحييان الأفراح بمهارة فائقة. كانت الزكرة والطبل جزءًا من حياة العائلة، ولطالما كانت المناسبات الاجتماعية تتخللها هذه الألحان.
البيئة الاجتماعية التي تربى فيها صالح كانت مليئة بالتعاون والمشاركة المجتمعية، فقد كانت العائلات في فساطو تتجمع للاحتفال بالأفراح، ولا يُقام عرس إلا وكان لعائلة غرامة دور في إحيائه. كانت العائلة تُعرف بقدرتها على تحويل الفرح إلى احتفال شعبي بفضل إبداعهم الموسيقي.
البدايات الفنية
بدأ صالح تعلم العزف على الزكرة في سن مبكرة جدًا. كانت بداياته متواضعة، حيث صنع أول آلة زكرة بنفسه باستخدام أدوات بسيطة مثل القصب والخيوط. ورغم أن الآلة لم تكن ذات جودة عالية، إلا أنها كانت بداية طريقه في عالم العزف. لم يكن صالح يتعلم من دروس تقليدية، بل كانت الموسيقى موهبة فطرية نمّاها من خلال الممارسة والملاحظة.
كان صالح شغوفًا بتعلم العزف على الزكرة، وظل يتابع عمه ووالده في المناسبات ويعزف على آلته البسيطة حتى جذب انتباه عائلته، خاصة عمه الذي شجعه على الاستمرار. ومع مرور الوقت، بدأ صالح يتقن العزف ويظهر موهبته الفريدة، حتى أنه أصبح قادرًا على عزف أي مقطوعة بعد سماعها لمرة واحدة فقط.
الانتقال إلى طرابلس وتطوير المهارات
في عام 1949، انتقل صالح غرامة إلى العاصمة طرابلس حيث بدأ مرحلة جديدة في حياته الفنية. هناك، التحق بالعمل في شرطة السجون، لكنه لم يتخل عن شغفه بالموسيقى. في طرابلس، تعرّف على عازفي الدربوكة وأصبح جزءًا من المجتمع الفني هناك. أسس علاقات قوية مع عازفين من طرابلس، وخاصة مع عبدالله قرقر، وبدأوا في إحياء الأمسيات الموسيقية في مناطق مثل سوق الجمعة وباب بن غشير.
كان وجود صالح في طرابلس فرصة لتطوير مهاراته، حيث تعلّم العزف على “الدنقة” أيضًا، وأصبح متمكنًا من عزفها مع الزكرة في المناسبات. ومن خلال هذه الفترة، أصبح يُدعى لإحياء الأفراح في جميع أنحاء طرابلس الكبرى.
التعاون مع عبدو الطرابلسي والتسجيلات الموسيقية
خلال فترة وجوده في طرابلس، لفتت موهبة صالح غرامة انتباه الفنان عبدو الطرابلسي، وهو شخصية مرموقة في الوسط الفني آنذاك. كان عبدو معروفًا بقدرته على اكتشاف المواهب، وقد أُعجب كثيرًا بعزف صالح. اقترح عبدو عليه تسجيل بعض الأعمال الموسيقية، وهكذا توجه صالح إلى لبنان برفقة الفنانة ليلى مطر حيث سجلا معًا العديد من الأغاني تحت رعاية مؤسسة الفرجاني. من بين تلك الأعمال، كانت أغنية “مكتوبة علينا” التي حققت نجاحًا واسعًا.
عاد صالح إلى لبنان مرة أخرى وسجل المزيد من الأعمال، وقد أسهمت هذه التجارب في ترسيخ اسمه كواحد من أبرز العازفين في ليبيا.
تأثير عائلة غرامة على المجتمع المحلي
تشتهر عائلة غرامة بكونها جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الفرح الشعبي في جبل نفوسة. كانت الموسيقى التي تقدمها العائلة تمثل نوعًا من الرابط الاجتماعي بين السكان. وتُروى قصة مثيرة عن حب الناس لموسيقى عائلة غرامة، إذ قيل إن السكان عندما رأوا أن الطرق التي هدمتها القوات الإيطالية أصبحت عائقًا أمام صعود الإنجليز للجبل، قرروا إصلاحها، وكان إحضار عازفي عائلة غرامة إلى المكان كفيلاً بجذب الناس للمساهمة في إعادة بناء الطرق.
المناسبات الاجتماعية وأهم الأعمال الفنية
كانت المناسبات الكبرى في فساطو، مثل لقاء الفرسان في جادو ويوجلين ومزدة بعد صلاة العيد الصغير، من أهم الفعاليات التي تشارك فيها عائلة غرامة. في هذه المناسبات، كانت الزكرة تُعزف طوال اليوم، وتستمر الأفراح مع عروض الخيل والهودج والجمل. وكان لعائلة غرامة دور بارز في جعل هذه الاحتفالات أكثر حيوية وبهجة.
من أهم الأغاني التي اشتهرت بها عائلة غرامة هي أغنية “تولي تهوا” التي كتبها الشاعر عبدالرحمان أعزاب، والمعروف بـ”عبدالرحمان طوطو”. هذه الأغنية كانت واحدة من أشهر المقطوعات التي عزفها صالح غرامة.
الإرث الفني
يُعتبر الرايس صالح غرامة واحدًا من أعظم عازفي الزكرة في تاريخ جبل نفوسة. طوال حياته، قدّم الرايس صالح أعمالًا موسيقية لا تُنسى، وأثر في جيل كامل من العازفين والموسيقيين. كان يعزف في المناسبات والأفراح بكل حب وإتقان، وترك بصمته في عالم الفن الشعبي الأمازيغي.
بالإضافة إلى موهبته الفطرية، كان صالح غرامة يتميز بحسه الفني العالي وقدرته على الابتكار في العزف، مما جعله واحدًا من أبرز الموسيقيين في ليبيا. لم يكن مجرد عازف، بل كان فنانًا حقيقيًا عاش الموسيقى بكل تفاصيلها.
خاتمة
رغم مرور السنوات، يبقى اسم الرايس صالح غرامة خالدًا في ذاكرة الأمازيغ وليبيا بشكل عام. كانت مسيرته الفنية مليئة بالعطاء والإبداع، واستطاع أن يساهم في نشر الموسيقى الأمازيغية والحفاظ على تراثها. بفضل أعماله وإنجازاته، يظل صالح غرامة رمزًا للفن الأمازيغي الليبي الأصيل.
Place your comment